/ الفَائِدَةُ : (12) /

11/07/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / العقول مخلوقات جسمانيَّة لطيفة / هناك قضيَّة ضروريَّة جِدّاً ، ينبغي للباحث في أَبواب المعارف وغيرها تحسُّسها وتذوّقها ، لكنَّه يحتاج دهراً ، ومَنْ يدركها فقد عرج وارتقىٰ في سماء عَالَم المعارف غير المتناهية ، حاصلها : أَنَّ العقل : عَالَمٌ وملكٌ وروحٌ ومخلوقٌ مهولٌ(1)، حيّ شاعر حسَّاس حيويٌّ ناطق، مِنْ عَالَم الأَجسام ، لطيف ، له مادَّة(2)وصورة ، قابل للتَّكامل ، ومُتَعَلِّق بجسم الطف من جسم الجنَّة الأَبديَّة . خلافاً لِـمَا ذهب إِليه ابن سينا ومن جرىٰ على شاكلته إِلى يومنا هذا ؛ فإِنَّهم ذهبوا إلى أَنَّه لاقطة معلومات ، ومرآة عاكسة وجامدة ليس إِلَّا ، ومن عَالَم الـمُجَرَّدات ، ليست فيه حركة وغير قابل للتَّكامل . لكنَّه مخالف لِـمَا صدعت به بيانات الوحي الوافرة الظافرة . فلاحظ منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ المُتَقَدِّم، عن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ(3)، قال : « أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سُئِلَ مِمَّا خلق الله عَزَّ وَجَلَّ العقل ، قال : خلقه مَلَك ، له رؤوس بعدد الخلائق ، مَنْ خُلق ، ومَنْ يُخلق إلى يوم القيامة ... »(4). ودلالته واضحة ؛ على أَنَّ العقل من عَالَم الملائكة(5) ـ لكنَّه أَعظم من الملائكة الـمُقرَّبين كجبرئيل وإِسرافيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام(6)ـ ، وهي مخلوقات : حيَّة شاعرة ، حسَّاسة ، حيويَّة ، ناطقة ، ومِنْ عَالَم الأَجسام اللَّطيفة ، لها مواد وصور ، فتكون قابلة للحركة والتَّكامل ، فكذا العقل . إِنْ قُلْتَ : إِنَّ الثَّابت لدىٰ أَهل المعقول : أَنَّ الملائكة مخلوقات مُجَرَّدة تَجَرُّداً تامّاً عن الجسميَّة ، والعقل بعدما وصفه سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بأَنَّه : (ملك) فيكون مجرَّداً تَجَرُّداً تامّاً عن الجسميَّة أَيضاً ، فيبطل القياس ، وحينئذٍ لا يكون قابلاً للتَّكامل ؛ لاِنتفاء الحركة والمادَّة . قلتُ : إِنَّه وإِنْ كان الأَمر كذلك ، لكنَّ الثَّابت في بيانات الوحي الوافرة الباهرة : أَنَّ للملائكة مواد وأَبدان جُسْمَانيَّة ، لكنَّها لطيفة ومجرَّدة عن المادَّة الغليظة ، فتكون قابلة للحركة والتَّكامل على وفق القاعدة ، فكذا العقل . فانظر : بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله جَلَّت آلاؤه : [جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ](7). ثانياً : بيان حديث المعراج : « ... أَتَىٰ جبرئيل عيناً فتوضأ منها ، ثُمَّ قال : يا محمَّد ، توضأ ، ثُمَّ قام جبرئيل فأَذَّنَ ... »(8). ثالثاً : ما ورد عن ابن عبَّاس ، قال : « ... كان جبرئيل عليه السلام جالساً عند النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عن يمينه إِذْ أَقبل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السلام فضحك جبرئيل عَلَيْهِ السلام ... »(9). رابعاً : ما ورد عنه أَيضاً ، قال : « المَلَك الَّذي جاء إِلى محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل الرُّوح الأَمين ، منشور الأَجنحة ، باكياً صارخاً ... »(10). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ الملائكة مِنْ عَالَم الأَجسام ، لها مادَّة تعرض عليها الحركة ، فتكون قابلة للتَّكامل . بل نقل صاحب البحار +(11) إِجماع الإِماميَّة ، بل جميع المسلمين ـ إِلَّا مَنْ شذَّ ـ على ذلك ، ونصُّ عبارته : « إِعلم أَنَّه أجمعت الإِماميَّة ، بل جميع المسلمين إِلَّا مَنْ شَذَّ منهم من المتفلسفين الَّذين أَدخلوا أَنفسهم بين المسلمين لتخريب أُصولهم ، وتضييع عقائدهم على وجود الملائكة ، وأَنَّهم أجسام لطيفة نورانيَّة ، أُوْلِي أَجنحة مَثْنَىٰ وثلاث ورُبَاع وأكثر ، قادرون على التَّشَكُّل بالأَشكال المختلفة ، وأَنَّه سبحانه يورد عليهم بقدرته ما يشاء من الأَشكال والصُّور على حسب الحكم والمصالح ، ولهم حركات صعوداً و هبوطاً ، وكانوا يراهم الأَنبياء والأَوصياء عَلَيْهِم السلام ، والقول بتجرُّدهم وتأويلهم بالعقول والنُّفوس الفلكيَّة ، والقوىٰ والطَّبائع ، وتأويل الآيات المتظافرة ، والأَخبار المتواترة تعويلاً على شُبُهَات واهية واستبعادات وهميَّة زيغ عن سبيل الهدىٰ ، واتّباع لأَهل الجهل والعمىٰ . قال المُحقِّق الدواني في شرح العقائد : الملائكة أَجسام لطيفة قادرة على التَّشَكُّلات المُختلفة . وقال شارح المقاصد : ظاهر الكتاب والسُّنَّة ـ وهو قول أَكثر الأُمَّة ـ أَنَّ الملائكة أَجسام لطيفة نورانيَّة ، قادرة على التَّشكُّلَات بأَشكال مختلفة . كاملة في العلم والقدرة على الأَفعال الشَّاقَّة . شأنها الطَّاعة ... »(12). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ، ... إِنَّ الله  خلق العقل ، وهو أَوَّل خلق من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره ، فقال له : أَدْبِرْ ، فأَدْبَرْ ، ثُمَّ قال له : أَقْبِلْ ، فأَقْبَلْ ، فقال الله تبارك وتعالىٰ : خلقتك خلقاً عظيماً ، وكرَّمْتُكَ على جميع خلقي ... »(13). ودلالته واضحة على أَنَّ العقل من عالم الأَرواح ، وهي أَجسام لطيفة . فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... والرُّوح جسم رقيق ، قَدْ أُلبس قالباً كثيفاً ... »(14). وبالجملة : ما ذكره الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في بيان حديث : (جنود العقل والجهل)(15) برهان وحيانيٌّ دالٌّ على معادلة وقاعدة معرفيَّة مستفيضة ، وردت في بيانات الوحي الباهرة ، مطويَّة فيها قواعد معرفيَّة كثيرة ؛ مهولة وخطيرة جِدّاً ، منها : الأُوْلَىٰ : أَنَّ المراد من عنوان : (العقل) الوارد في بيانات الوحي والعلوم المعرفيَّة ليس الـمُـخ ؛ فإِنَّه آلة جسمانيَّة للعقل ، وإِنَّما مخلوق مهول ، ذو طبيعة ملائكيَّة . الثَّانية : أَنَّ هناك عَالَماً وجوهراً عقليّاً أَلطف مِنْ عَالَم الجنَّة الجسمانيَّة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، فضلاً عن ما دونها من عوالم الأَجسام والجنَّة البرزخيَّة . فعَالَم الرَّوحانيِّين وإِنْ كان من عَالَم الأَجسام اللَّطيفة(16)، لكنَّه ملكوت وغيب لما دونه ، كعَالَم الجنَّة الجسمانيَّة الأُخرويَّة الأَبديَّة . وهذا برهان دالٌّ على أَنَّ العوالم الجسمانيَّة من حيث اللَّطافة والقُوَّة على درجات ومراتب وطبقات إلى ما شاء الله . الثَّالثة : أَنَّ عَالَم الرَّوحانيِّين لا يقتصر على عَالَم العقل ، نعم هو أَوَّلها . الرَّابعة : أَنَّ العَالَم العقلي هو : أَوَّل الْعَوالِم المُجرَّدة عن المادَّة الغليظة . عصارة ما تقدَّم : أَنَّ الثَّابت لدىٰ الفلاسفة والمُتكلِّمين والعرفاء : أَنَّ العَالَم العقلي فوق عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، ومُجرَّدٌ تَجرُّداً تامّاً عن مطلق الجسميَّة والمادَّة ؛ فيكون غير قابلٍ للتكامُّل ، لكنَّه يبقىٰ مُمكناً ومحدوداً . لكنَّ : الثَّابت في بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّه وإِنْ كان فوق عَالَم الآخرة الأَبدية ، لكنَّه يبقىٰ من العوالم الجسمانيَّة المُمتدَّ فوق عَالَم العرش ، وعَالَم العقل تحت العرش ، بل بينه وبين العرش عَالَم المشيئة ، من ثَمَّ يكون العقل قابلاً للتكامل . وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ الفلاسفة والعرفاء وإِن ذهبوا إِلى أَنَّ عَالَم الخيال والمثال من العوالم الجسمانيَّة المقداريَّة وله أَین وزمان ومكان ومقدار ، لكنَّهم حكموا بتجرُّد عَالَم العقل تجرُّداً تامّاً عن الجسميَّة والمقادير ، وهذه غفلة شنيعة وخطأ فاحش ارتطموا به ؛ نتيجة ابتعادهم عن بيانات الوحي ، فإنَّ الثَّابت فيها : أَنَّ العوالم الجسمانيَّة تمتد إِلى عَالَم العقل ، بل وفوقه إِلى سدرة المُنتهىٰ ، بل وفوقها . وكُلُّها عوالم جسمانيَّة وماديَّة ، نعم بينها تفاوت في الغلظة واللطافة ، وهذا التفاوت في الأَجسام والمقادير وكيفيَّات المادَّة لا يمكن دركه بآليَّات الأَجسام الأَغلظ ، ومن ثَمَّ تظن مخلوقات العوالم الجسمانيَّة النَّازلة والأَغلظ في حقِّ العوالم الجسمانيَّة ومخلوقاتها الصَّاعدة والأَلطف أَنَّها عوالم نوريَّة ومُجرَّدة تجرُّداً تامّاً عن الجسميَّة والمادَّة ؛ فتكون حركتها دفعيَّة . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ المخلوقات لا تقتصر على المعهودة من الإِنس والجنِّ والملائكة والحيوانات والنباتات والجمادات ؛ فإِنَّ هناك مخلوقات أُخرىٰ كثيرة لم تكشف عن أَسمائها بيانات الوحي ، نعم كَنَّت عن بعضها كـ : (يأجوج ومأجوج) . وقد أَثبتت الفيزياء الحديثة كثير من الموجودات الدُّنيويَّة الأَرضية الخفيَّة ؛ الَّتي لم يحسّ ولم يشعر بها البشر في هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة ، وعبَّرَ عنها أَصحاب علم الفيزياء بـ (الطَّاقات السَّابحة) ، وما اكتشفوه منها نزر يسير . وأَحد مهام هذه المخلوقات : إِدارة وتدبير نظام منظومة عالمنا ونشأتنا الأَرضيَّة هذه . الثَّاني: أَنَّ للّٰـه عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ عَالَمٍ من عوالم الخلقة غير المتناهية مخلوقات غير متناهية أَيضاً . الثَّالث : أَنَّ هناك مخلوقات كثيرة غير مرئيَّةٍ لبني البشر والجنّ والملائكة ؛ فإِنَّ مصنع الله في الخلقة غیر متناہٍ . (2) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات إِلى القضيَّتين التَّاليتين : الأُولىٰ : أَنَّ مصطلح وعنوان (المادَّة) يُطلق في العلوم العقلية ويُراد منه : جوهر مُتَّصف بأَبعاد الجسم الثلاثة ـ الطول والعرض والعمق ـ ، وحينئذٍ يكون قابلاً للإِنقسام ، فتكون له صورة . ويُطلق في العلوم التجريبيَّة ويُراد منه : الطاقة المُتكثِّفة . الثانية : المراد من المادَّة ـ سوآء كانت جسمانيَّة أَو غيرها ـ في المباحث العقليَّة : وجود قوَّة وقابليَّة على التَّكامل والنمو والتطوُّر والاشتداد الكمالي . وعليه : فالمادَّة الجوهريَّة لا تلازم الأَبعاد الجسمانيَّة ـ خلافاً لأَكثر الفلاسفة والمُتكلِّمين ؛ فإِنَّهم بنوا على التَّلازم ـ ومن ثَمَّ يمكن تصوُّر مادَّة عقليَّة تتكامل من خلالها العوالم والنَّشَآت قبل هذا العَالَم وبعده . (3) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه كلَّما أَتَىٰ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ببيان لسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فدليل على ضربٍ لقاعدةٍ معرفيَّةٍ وحيانيَّة مُهمَّة جِدّاً . (4) بحار الأَنوار، 1: 99/ح14. (5) لَا بَأْسَ بِصَرْفِ النَّظَرِ في المقام إِلى الأُمور التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ لِلْمَلَك جسم فيه روح وعقل . الثَّاني : هناك فارق بين الإِنسان والمَلَك لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات إِليه ، حاصله : أَنَّ الإِنسان يُكابد امتحانات تولِّد له تکاملاً أَعظم من تكامل الملك ، بخلاف المَلَك ؛ فإِنَّه لا يُكابد تلك الامتحانات والإِبتلاءات . الثَّالث : ظاهر كلام العلَّامَّة الطباطبائي في تفسير الميزان : أَنَّ علم الملائكة علم حضوريٌّ ، يعني : مفاهيم ومعاني فحسب . لكنَّه ارتطام بغفلةٍ ، ومخالفة لظاهر بيانات الوحي ، منها : بیان قوله تعالىٰ : [وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ] [البقرة: 31ـ33]. فإِنَّ ما كتمته الملائكة توَهُّم خاطِئ ليس له واقعيَّة . ثُمَّ إِنَّ هناك خلافاً في قبول العلم الحضوري للخطأ ، فذهب المناطقة والفلاسفة والعرفاء والصوفيَّة إِلى عدم قبوله للخطأ . الرَّابع : الثَّابت في بيانات الوحي : أَنَّ بني البشر كانوا يرون الملائكة إِلى زمان النَّبيّ إِبراهيم عليه السلام . بل الجنّ ترىٰ إِلى الآن بعض الملائكة . الخامس : أَنَّ لدىٰ مُطلق البشر ـ مؤمنين كانوا أَم كفرة وملحدين ـ أَخذاً وعطاءً مع الملائكة وسائر مخلوقات العوالم ، شعر بذلك الإِنسان أَم لا ؛ بل ويُشاهدون على مدار السَّاعة جملة شؤونه وأَحواله وأَفعاله ومعارفه ومعتقداته وتُبثُّ عليهم بثّاً حيّاً . وطبقات باطن روحه والمُعبَّر عنها بـ : (العقل الباطن) تتعاطىٰ مع ملائكة السَّماوات والأَرضين وسائر مخلوقات تلك العوالم على مدار السَّاعة وفي كُلِّ آن ولحظة فيكون من الطبيعي مَنْ يتقن باب الملائكة وأَبواب سائر المخلوقات سيستفيد كثيراً في التَّكامل الرُّوحي والرُّؤية المعرفيَّة . لكن : أَعرض عن هذه الأَبواب ـ رغم أَهميَّتها وعظيم وخطر فائدتها ـ وغفل أَو تغافل عنها جلَّ أَصحاب المدارس المعرفيَّة البشريَّة ـ كالفلاسفة والمُتكلِّمين والعرفاء ـ . السَّادس : أَنَّ للملائكة آجال مُختلفة وليسوا على أَجَلٍ واحد . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الحديث القدسي منضمّاً إِليه بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الوارد في حادثة مبيت أَمير المؤمنين في فراشه صلوات اللّٰـه عليهما وعلى آلهما ، قال : « أَوصَىٰ الله إِلى جبرئیل ومیکائیل : أَنِّي آخيتُ بينكما وجعلتُ عمر أَحدكما أَطول من عمر صاحبه ، فأَيَّكما يؤثر أَخاه ؟ فكلاهما كرها الموت ... ». بحار الأَنوار، 36: 42ـ 42/ح6. مناقب آل أَبي طالب، 1: 282 ـ 283. (6) إِنَّ معنىٰ اسم (إِسرافيل) في اللُّغة العبريَّة : عبد الله ؛ فإنَّ : (اسرا) يعني : عبد ، و(فيل) يعني : الله . ومعنىٰ اسم (جبرئيل) في اللُّغة العبريَّة أَيضاً : قوَّة وبطش الله تعالىٰ ؛ فإِنَّ معنىٰ : (جبرا) يعني : القوَّة والبطش ، ومعنىٰ (ئیل) : الله . ومعنىٰ اسم (ميكائيل) في اللُّغة العبريَّة أَيضاً : مكيال الله ؛ فإِنَّ معنىٰ (میکا) : المكيال ، ومعنىٰ (ئیل) : الله . ومعنیٰ اسم (عزرائيل) في اللُّغة العبريَّة أَيضاً : المهلك الله ؛ فإِنَّ معنىٰ (عزرا) : المُهلك ، ومعنىٰ (ئيل) : الله . (7) فاطر: 1. (8) بحار الأَنوار، 18: 394/ح99. (9) المصدر نفسه، 39: 98. (10) بحار الأَنوار، 44: 237/ح28. (11) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات : أَنَّ المجلسي الابن صاحب كتاب البحار مع كونه طوداً ووتداً شامخاً ، ووفِّق لجمع تراث أَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم ، لكن مَنْ يُدقِّق في جملةٍ من أَبحاثه فسيجد أَنَّه قد تورَّط ـ كغيره ـ بكلام البشر، فانشغل بأَقوال الفلاسفة والمُتكلِّمين والمُفسِّرين ، وقصر بيانات الوحي وفهمها على وفق إِدراكات البشر وحبسها عليها . هذا هو حاله فما ظنُّكَ بمَن دونه ، فتأخذهم سكرة الجدال العلمي مع أُفق البشر لتصبح حجاباً مانعاً . (12) بحار الأَنوار، 56: 202 ـ 203. (13) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (14) بحار الأَنوار، 6: 216/ح8. الاحتجاج، 2: 96. (15) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات : أَوَّلاً : أَنَّ حديث : (جنود العقل والجهل) للإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بيان لفلسفة تشريعات كثيرة ، فيصلح أَنْ يكون بياناً منظوميّاً كبيراً للفلسفة الأَخلاقيَّة في نظام الإِسلام ، ويصلح أَيضاً أَنْ يكون منظومة نظام مُتكامل لفلسفة تشريعات الواجبات والمُحرَّمات في مُطلق العبادات والمعاملات . ثانياً : أَنَّ الموضة في الفلسفات والاطروحات الغربيَّة تحاول تجنيد جند العقل الجميلة الطبع لصالح الشَّرِّ وجنده ، وهذه مغالطة شنيعة وخطيرة . (16) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه وإِنْ لم تكن للعقل أَبعاد الجسم الثَّلاثة ـ الطول والعرض والعمق (الارتفاع) ـ لكنَّ له مادَّة لطيفة وصورة ، لكَّنها ليست صاحبة أَبعاد جغرافيَّة ، فهو وإِنْ لم يكن جسماً بالمعنىٰ الأَوَّل ـ أَي : صاحب الأَبعاد الثَّلاثة ـ لكنَّه جسم بالمعنىٰ الثَّاني ـ أَي : صاحب مادَّة وصورة ـ ، فالتفت ، وتأَمَّل جيِّداً